تحديات التنمية السياسية في العراق
بقلم: د. عباس علي الفحام
ولد النظام السياسي الجديد في العراق بعد التغيير ٢٠٠٣ ولادة من الخاصرة، إثر مخاضات عسيرة أعقبت سقوط الديكتاتورية الصدامية بفضل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فورث كما تاريخيا هائلا من التعقيدات التي يتعلق أكثرها بتأثيرات الجيوبوليتيك زد عليها إرثا عاطفيا اجتماعياً مندفعا، وربما يمكن تشخيص بعض من هذه التحديات التي تقف عائقا صعبا بوجه التنمية السياسية الحديثة في العراق ومنها:
١- الواقع الخارجي: أي حركة المنطقة الجغرافية حول العراق، فمن المؤسف أن واقع المنطقة العربية عامة مع العراق بعد ٢٠٠٣ – وإلى الآن – يتحرك سياسيا بطريق متعرج منحرف جوهره النظرة المذهبية الضيقة، وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات مع ظهور التغيير (الشاذ) في سوريا، ولا شك في أن هذه السياسة العربية وقفت بقوة ضد استقرار العراق أمنيا واقتصاديا من خلال الدعم اللوجستي والمالي والعلني والإعلامي للجماعات الارهابية بمختلف مسمياتها طوال العقدين الماضيين، ولم يتوقف نسبيا إلا بعد القضاء على داعش عام ٢٠١٦.
٢- الواقع الداخلي: وهو واقع متداخل ومعقد التركيب يستمد نسغ حياته من مزيج جذور تاريخيّة قديمة وحديثة لأكثر فاعلين من مكونات المجتمع العراقي، وأعني بهما الشيعة والسنة، مضافا إليهما التعقيد الحديث في تاريخ الدولة العراقية وهم المكون السياسي الكردي، فبرغم كل ما يقال من وحدة حقيقية مجتمعية واقعية بين أفراد الشعب العراقي إلا أن العامل الخارجي استطاع تحريك الثابت الاجتماعي وزعزعة استقراره بحجج الأحقية التاريخية للحكم أو بحجة التهميش أو بحجة النعرة الطائفية، ونحو ذلك كثير.
ومما يشخص من أخطاء على القادة السياسيين المحسوبين على الشيعة استعلاؤهم في طريقة التفكير والخطاب واعتقادهم أنهم وحدهم من يملك الحكمة في إدارة البلد، فلم يملكوا القدرة على استشارة المهنيين أصحاب الاختصاص ، بل استعاضوا عنهم بإرث أحزابهم المعارضة وبعض منظري فادتها، فانكفؤوا على أنفسهم متجاهلين الطاقات الخلاقة لأبناء مجتمعهم، فظلوا مراوحين مكانهم، رجال معارضة لا رجال دولة، وبسبب ذلك قدموا التنازلات تلو التنازلات لقادة المكونات الأخرى التي استغلتهم ، فكان الكرد أذكى منهم في جعل أنفسهم بيضة القبان لتشكيل الحكومات المتعاقبة وامتصاص خيرات البلد من دون حسيب، وكان قادة السنة الجدد أكثر جرأة منهم في الاعتماد على العنصر السني الخارجي علانية تمويلا وإعلاما، بل وصل الحال ببعضهم الى المجاهرة بدعم التنظيمات الارهابية وتهديد الوجود الشيعي لا مجرد تهديد وجوده السياسي.
أما التكوين الفردي عامة للإنسان العراقي فهو كذلك صيرته الظروف من جملة عوائق التنمية السياسية، ولاسيما مع الأخذ بالاعتبار تجاهل تطويره وكسب ثقته، ففي هذا التكوين إرث قبلي حاد، وفيه انقياد ديني عاطفي وثاب، جعله يقدس رجل الدين كما يقدس زعيم القبيلة، مقراً بحكمهما لا بحكم السياسي، أو حكم المهني المتخصص، زد على ذلك كمية الاعتداد بحضارته وشخصيته الفردية، كل ذلك جعله غير مستقر، يهيج لكل شائعة ويتأثر لكل ما يمس عواطفه.
إن مشكلة الطبقة السياسية زادت الطين بلة، فلم تنزل عن استعلائها إلا في وقت الحاجة إلى جماهيرها، لم تنتبه إلى إصلاح ذاتها أولا، فزاد الإنسان الشيعي من خطاب جلد الذات، فبدلا من تصحيح واقع فاسد بطريق الاقتراع الجماهيري غير الناقص جعل ينادي بمقاطعة الانتخابات بحجة وصول الفاسدين وديمومة وجودهم في السلطة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.