بقلم: أ.د. عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
لم تكن علاقتي مع مكاتب المفتشين العموميين جميعها وردية او حميمية خلال عملي الاداري البحت في وزارة التعليم العالي او مؤسساتها، منذ عام 2006 ولغاية تشرين اول 2018، حيث حصلت الكثير من التقاطعات وسجلت لدي الكثير من المؤشرات السلبية على بعضهم ولكنني وجدت العكس عند البعض الاخر والامثلة عليها كثيرة ولكنني سأتحدث عن بعضها وبدون ذكر الأسماء ليكون مؤشر للتقييم لكل منها وعندها يمكن عرض اسباب مؤشرات الفشل الذي طال معظمها.
المؤشر السلبي الاول تم رصده في عمل المفتش العام في الوزارة خلال فترة ادارتنا لجامعة الكوفة، للفترة من ايار 2006 لغاية تموز 2011، كان مبني على سياسة غض النظر عن قضايا الفساد الكبيرة والمؤثرة والحقيقية والمحالة اليه من قبلنا والموثقة بالمستمسكات واللجان التحقيقية ولمختلف انواع الفساد المالي والاداري والاخلاقي او المهني، او التي يشوبها هدر بالمال العام او تجاوز على اموال الدولة او من خلال الحصول على المال لقاء تغشيش الطلبة او التعسف في تقيمهم لغرض ابتزازهم او عند سرقة البحوث العلمية او تزوير وثائق وغيرها من القضايا المهمة، بينما كان يهتم بفتح ملفات تحقيقية لشبهات وشكاوى كيدية وقضايا ليست بذات الاهمية وبعيدة عن مؤشرات الفساد الحقيقية وكان يتعمد لإعادة التحقيق فيها لمرات عديدة بالرغم من التأكد من سلامة المعنيين او المؤشر عليهم اوالمحقق معهم وبعد تبرئتهم من قبل لجانه التحقيقية. لقد شخصنا الحالة وكتبنا عنه للوزير ولجهات عليا اخرى وقد شخصت اهدافه في حينها وما كان يعمل عليه وهو محاولته اشغال جامعة الكوفة وادارتها وكبح وتثبيط نشاطها للحد من تنفيذ خططها التي وضعت ضمن الاستراتيجيات التنموية التي وضعت لها ولمختلف المحاور العلمية والمهنية والثقافية والعمرانية ولكن للأسف لم يتخذ بحقه أي اجراء.
لقد اكتشفنا ان اهداف المفتش العام في حينها من خلال تعامله الغير مهني والمتحيز ومن خلال رصد الملفات المحقق بها والمدرجة في تقاريره السنوية ومتابعاته وتقييماته لبعض الجامعات العراقية الغير موضوعية والغير حيادية والتميز الواضح وفق مكوناتها المناطقية والطائفية. وقد أثبتت صحة تشخيصنا وشكوكنا حيث ظهر لاحقا انه الداعم والمساعد لابن اخته الذي ألقي القبض عليه، عام 2011، واعترف كونه والي بغداد في تنظيم القاعدة وكان يحمل هوية وزارة التعليم العالي، التي منحها خاله له، وكان يستخدم عجلاتها بالرغم من انه ليس من منتسبي الوزارة وكان يعمل بمعيته في التنظيم اثنان من ابنائه اللذان هربا الى خارج العراق بعد اكتشافهم.
اما المؤشر السلبي الثاني الذي تم رصده في عمل المفتش العام في الوزارة لفترة استيزارنا، آب 2016 لغاية تشرين اول 2018، وتم تشخيصه من خلال ابتعاده عن العمل المهني وعدم ادائه لواجباته الموثقة ضمن القوانين والتعليمات واهماله لملفات فساد كبيرة، فيها هدر للمال العام، احيلت له للتحقيق بها ولاتخاذ الاجراءات اللازمة بشأنها ومعظمها كان يخص وزارة العلوم والتكنولوجيا التي كان هو أحد منتسبيها وضمن قياداتها الادارية. لقد ارتكب الكثير من السلوكيات السلبية والتي شخصتها لأسباب اهمها بعد تخصصه و مهنيته وعدم تأقلمه مع المهام المناطة به، لحداثة عمله في دوائر الدولة العراقية، ومخالفته لما جاء في قانون المفتشين العموميين الذي يوجب ان يكون التحصيل الدراسي للمفتش العام هو القانون او المحاسبة، وللأسف هذا ما حصل في الكثير من الوزارات ومؤسسات حكومية مهمة من خلال تعين المفتشين العموميين من غير المتخصصين، التي اعتبرت نقطة الضعف التي حالت عن تمكنه في اداء واجبه والمهام المناطة به بالشكل الامثل لذا اسندت معظم تصرفاته وأدائه ونشاطاته واعماله لمشورة بعض منتسبي المكتب من القانونيين وذوي الخبرة المكتسبة وتسييرهم له بقصد او بدون قصد. ولقد بررت بعض من تصرفاته هو الخوف من المتورطين بملفات الفساد الكبيرة وتجنبه عدائهم له او ان يكون لديه توجيه بتسويف واهمال ملفات الفساد او غلقها ضمن الثقافة التي انتشرت بين الكثير من الشخصيات الفاسدة (طمطم لي وطمطم لك). لقد عمل على التدخل في شؤون ومهام دوائر اخرى في الوزارة وفتح ملفات ليس لها أهمية، هامشية وتافهة، تركز على شخصيات من الأكاديميين والملاك المتقدم في التعليم العالي والموثوق من نزاهتهم ومهنيتهم لإشغالهم عن مهامهم الاكاديمية واثارت قضايا ليست من مهامه ولا تتعلق بأي مؤشرات للفساد.
اما المؤشرات الايجابية المحسوسة التي رصدت لاحد المفتشين العموميين خلال فترة اقل من خمسة أشهر في تكليفنا لإدارة وزارة المالية وكالة أبتدائا من 17 كانون الثاني 2017 ولغاية 24 مايس، والتي لم نجد فيها الشخصية الاقتصادية او المهنية التي تمتلك الخبرة والقدرة لرسم الخطط والاستراتيجيات المالية للاقتصاد العراقي. كذلك لم نجد المسؤول الذي يمتلك المعلومات التي تخص جميع دوائر الوزارة كوكيل للوزير او مستشار للوزارة ليوضح لنا مهام وواجبات كل دائرة والخطط والملفات الانية الواجب متابعتها. بينما وجدنا في هذه الوزارة ان شخصية المفتش العام فيها بعض ما كنا نبحث عنه حيث تم الاعتماد عليه للحصول على الكثير المعلومات او تأكيدها ومشاركتنا الرأي لاتخاذ القرار المناسب لبعض من القضايا المهمة. لقد كان صائبا في تشخيصه لنقاط القوة والضعف في دوائر الوزارة وتقيمه للملاك المتقدم ومؤشراته لمكامن النزاهة والفساد. لقد كانت العوامل الاساسية في حسن ادائه هو تخصصه المتوافق مع مهامه وخبرته الادارية الطويلة ومؤشرات نزاهته علما ان تقيمنا له كان متوافقا مع اراء الكثير من الشخصيات في هيئة النزاهة او المواقع العليا في الحكومة.
ويوجد امثلة كثير للشخصيات المهنية والنزيهة والمدربة ضمن منتسبي مكاتب المفتشين العموميين التي يمكن الاعتماد عليها في ادارة تلك المكاتب.
لذا فان مكاتب المفتشين العموميين حالها مثل حال اي دائرة او مؤسسة او وزارة عندما يحسن اختيار قادتها عندها سيكتب لها النجاح في اداء مهامها. ولكن للأسف نجد ان الكثير من الخروقات والمخالفات القانونية التي حصلت في تعيين بعض المفتشين العموميين واهمها تعيين من هم غير المتخصصين أو من ذوي التخصصات المخالفة لما نص عليه قانون المفتشين العموميين والذي اشار بان يكون تخصصهم اما في القانون او المحاسبة حيث نجد ان البعض منهم من حملة شهادات الطب والهندسة والعلوم الصرفة ومعظمهم ليس لديه الخبرة بمهمتهم ولم يسبق لهم ان عملوا بمهام مماثلة فضلا عن عدم التأكد من نزاهة بعضهم لذا ظهر ادائهم الغير مرضي.
وهنا يكمن السؤال فيما إذا كانت مؤشرات الفساد التي طالت بعض الوزارات والدوائر المهمة هل سيكون هو السبب المسوغ لإلغاء تلك الوزارات او الدوائر المعنية؟ في الواقع ان الاسباب الرئيسية في فشل معظم مكاتب المفتشين العموميين هو دخولها في منظومة المحاصصة واختيار مدراءها من المتحزبين وبغض النظر عن المخالفة في تخصص بعضهم وكفاءتهم وخبرتهم الوظيفية فضلا عن عدم نزاهة بعضهم. ان الالتزام بالقوانين والتعليمات واعتماد المعايير لاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب سيكون الضامن لنجاح اي مؤسسة وليس فقط مكاتب المفتشين العموميين.
صحيح ان دوائر وممثلي ديوان الرقابة المالية يمكن الاعتماد عليهم في تقييم اداء دوائر الدولة او الكشف عن ملفات الفساد ولكن كان يجب ان يتم السؤال منهم فيما إذا كان لديهم الملاك الكافي، لمتابعة مؤشرات الفساد لجميع الوزارات والدوائر والمؤسسات العراقية، لأداء عملهم ومتابعاتهم بالمدد المناسبة. حسب علمي ان حاجة ديوان الرقابة المالية للمتخصصين من المحاسبين القانونيين وصل الى 2000 عنصر في عام 2018، اي قبل الغاء مكاتب المفتشين العموميين، وهي في حالة توسع مستمر اي ان حاجتهم للمتخصصين بازدياد علما ان مخرجات مؤسسات التعليم العالي السنوية من هذه الملاكات خجولة جدا ولا تتجاوز العشرات سنويا.
ان مكاتب المفتشين العموميين هي صمام امان امام دهاليز ومكامن الفساد وجيوش المفسدين في الكثير من مؤسسات الدولة إذا تم حسن اختيار مدراءها. ومن المؤسف ان قرار مجلس النواب في الغاء مكاتب المفتشين العموميين سيفكك ملاكات تلك المكاتب وستختفي الكثير من الاضابير المهمة التي خزنت في رفوف تلك المكاتب لسبب او لآخر وستنسى المعلومات والاسرار التي تتضمنها وسيهمش الكثير من منتسبيها المهنيين ممن خضعوا لكثير من الدورات والورش التدريبية والعارفين بأسرار وحقيقة الكثير من الملفات المهمة التي ستتناسى ويختفي أثرها.